تهجير غزة- تطهير عرقي كارثي يهدد المنطقة بأسرها.

المؤلف: كريس هيدجيز09.07.2025
تهجير غزة- تطهير عرقي كارثي يهدد المنطقة بأسرها.

تواجه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديدًا قطاع غزة، خطرًا وجوديًا يتمثل في حملة تطهير عرقي واسعة النطاق، قد تكون الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فمنذ مطلع شهر مارس، تفرض إسرائيل حصارًا مطبقًا على القطاع، مانعةً دخول المواد الغذائية والإمدادات الإنسانية الضرورية، وعاملةً على قطع إمدادات الكهرباء الحيوية، الأمر الذي أدى إلى توقف آخر محطة لتحلية المياه عن العمل، مما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة.

وقد بسطت القوات الإسرائيلية سيطرتها الفعلية على ما يقرب من نصف مساحة قطاع غزة، الذي يمتد على طول 25 ميلاً ويتراوح عرضه بين أربعة وخمسة أميال. كما أصدرت أوامر إخلاء قسرية بحق ثلثي سكان القطاع، معلنةً العديد من المناطق، بما في ذلك مدينة رفح الحدودية المكتظة بالسكان والتي تحاصرها القوات الإسرائيلية، "مناطق محظورة" يحظر دخولها.

وفي تصريح مفاجئ، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي عن نية بلاده "تكثيف" العمليات العسكرية ضد حركة حماس، مؤكدًا أن إسرائيل ستستخدم "كل أشكال الضغط العسكري والمدني"، بما في ذلك إجلاء سكان غزة قسرًا نحو الجنوب وتنفيذ ما أسماه "خطة الهجرة الطوعية لسكان غزة"، وهي الخطة التي سبق أن اقترحها الرئيس الأميركي السابق.

ومنذ إعلان إسرائيل الأحادي الجانب عن إنهاء وقف إطلاق النار في منتصف شهر مارس، ذلك الوقف الذي لم تلتزم به إسرائيل من الأساس، تواصل القوات الإسرائيلية شن غارات جوية وقصف مدفعي مكثف على المناطق المدنية، مما أسفر عن استشهاد وإصابة الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، وفقًا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن عشرات الأطفال يُقتلون يوميًا جراء هذه العمليات العسكرية. وفي الوقت نفسه، تعمل إسرائيل على تأجيج التوترات مع جمهورية مصر العربية، في خطوة يرى فيها البعض تمهيدًا لعملية تهجير جماعي للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية في شبه جزيرة سيناء.

وفي سياق متصل، أكد وزير المالية الإسرائيلي على أن إسرائيل لن ترفع الحصار الشامل المفروض على قطاع غزة حتى يتم "هزيمة" حركة حماس بشكل كامل، وحتى يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى الحركة. وشدد الوزير على أنه "لن تدخل حتى حبة قمح واحدة إلى غزة" في ظل الوضع الراهن.

ومع ذلك، يرى العديد من المراقبين أنه لا يوجد طرف، سواء داخل إسرائيل أو في قطاع غزة، يتوقع أن تستسلم حركة حماس، التي أبدت صمودًا ملحوظًا رغم الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع والمجازر المروعة التي ارتكبت بحق سكانه.

لم يعد السؤال المطروح اليوم يتعلق بما إذا كان سيتم تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بل يتعلق بتحديد التوقيت والمكان الذي سيتم طردهم إليه. ويبدو أن هناك انقسامًا في وجهات النظر داخل القيادة الإسرائيلية حول الوجهة النهائية لعملية التهجير، فبينما يفضل البعض دفع الفلسطينيين عبر الحدود إلى مصر، يقترح آخرون نقلهم إلى دول مختلفة في قارة أفريقيا.

وتشير بعض التقارير إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد أجرتا اتصالات مع عدد من الحكومات في منطقة شرق أفريقيا، بما في ذلك حكومات السودان والصومال ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، لبحث إمكانية إعادة توطين الفلسطينيين الذين يتعرضون لعمليات تطهير عرقي. إلا أن هذه الحكومات نفت هذه التقارير بشكل رسمي.

عواقب وخيمة

تتسم العواقب المحتملة لهذا التطهير العرقي الشامل بالكارثية، حيث تهدد بتقويض استقرار الأنظمة العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، وقد تشعل فتيل احتجاجات واسعة النطاق داخل الدول العربية.

ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وكل من الأردن ومصر، اللتين أصبحت علاقتهما مع إسرائيل على شفا الانهيار. كما أنه ينذر بدفع المنطقة بأكملها نحو أتون حرب إقليمية شاملة.

فقد وصلت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية إلى أدنى مستوياتها منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد التاريخية في عام 1979. وتشهد السفارتان الإسرائيليتان في كل من القاهرة وعمان حالة من الشلل التام، بعد أن تم سحب الطاقم الدبلوماسي الإسرائيلي لأسباب أمنية عقب عملية السابع من أكتوبر التي شنتها حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى.

وقد رفضت الحكومة المصرية قبول أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد، كما لم تقم بتعيين سفير جديد لها لدى إسرائيل منذ أن تم استدعاء السفير السابق في العام الماضي.

ويتهم المسؤولون الإسرائيليون مصر بانتهاك بنود اتفاقيات كامب ديفيد من خلال تعزيز وجودها العسكري وإنشاء منشآت عسكرية جديدة في منطقة شمال سيناء، وهي اتهامات تصفها مصر بأنها "لا أساس لها من الصحة". وتجدر الإشارة إلى أن الملحق العسكري للاتفاقية يجيز لمصر زيادة عتادها العسكري في سيناء.

وقد حذر رئيس الأركان الإسرائيلي السابق من "التهديد الأمني" المصري، فيما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي أن بلاده لن تسمح لمصر "بانتهاك معاهدة السلام" الموقعة بين البلدين في عام 1979.

ويرد المسؤولون المصريون بالتأكيد على أن إسرائيل هي من انتهكت المعاهدة من خلال احتلالها لمحور فيلادلفيا، المعروف أيضًا بمحور صلاح الدين، الذي يمتد على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، والذي كان من المفترض أن يكون منزوع السلاح.

وقد صرح اللواء محمد رشاد، الرئيس السابق للمخابرات الحربية المصرية، بأن "أي تحرك إسرائيلي على حدود غزة مع مصر يشكل سلوكًا عدائيًا ضد الأمن القومي المصري. ولا يمكن لمصر أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التهديدات، ويجب أن تكون مستعدة لكل السيناريوهات المحتملة".

ولا يتردد المسؤولون الإسرائيليون في الدعوة علنًا إلى "النقل الطوعي" للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية. فقد صرح أحد أعضاء الكنيست بأن "ترحيل معظم الفلسطينيين من غزة إلى سيناء المصرية هو حل عملي وفعّال".

وقد قارن بين الكثافة السكانية المرتفعة في قطاع غزة، وبين "الأراضي الشاسعة غير المستغلة" في شمال سيناء، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين يتشاركون الثقافة واللغة مع مصر، مما يجعل أي عملية ترحيل "طبيعية" ومنطقية.

كما انتقد مصر زاعمًا أنها "تستفيد اقتصاديًا من الوضع السياسي الحالي"، كوسيط بين إسرائيل وحركة حماس، وتحقق أرباحًا من عمليات التهريب عبر الأنفاق ومعبر رفح الحدودي.

وقد نشر معهد إسرائيلي للأبحاث الأمنية ورقة بحثية في شهر أكتوبر من العام الماضي، تدعو الحكومة الإسرائيلية إلى استغلال "الفرصة النادرة والفريدة لإجلاء كامل سكان قطاع غزة"، وإعادة توطين الفلسطينيين في القاهرة، بمساعدة من الحكومة المصرية.

كما اقترح تقرير سري مسرب صادر عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية نقل الفلسطينيين من غزة إلى منطقة شمال سيناء، وبناء حواجز ومناطق عازلة لمنع عودتهم إلى ديارهم.

ومن المرجح أن يتم تنفيذ أي عملية طرد قسرية بوتيرة متسارعة، مع قيام القوات الإسرائيلية بشن حملة قصف مستمرة ضد الفلسطينيين المحاصرين، في الوقت الذي يتم فيه فتح ممرات إجلاء محدودة على طول الحدود مع مصر، مما يزيد من حالة الفوضى والذعر.

ويمكن أن تنطوي هذه العملية على مواجهة دامية محتملة مع الجيش المصري، الأمر الذي قد يمثل أزمة حقيقية للحكومة المصرية. وسيكون الانتقال من هذه النقطة إلى صراع إقليمي شامل سريعًا للغاية.

وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل قد استولت بالفعل على أراضٍ في كل من سوريا وجنوب لبنان، وذلك في إطار رؤيتها لما يسمى "إسرائيل الكبرى"، والتي تتضمن أيضًا احتلال أجزاء من أراضي مصر والأردن والمملكة العربية السعودية.

كما أن إسرائيل تطمع في حقول الغاز البحرية الواقعة قبالة سواحل قطاع غزة، وقد طرحت خططًا لإنشاء قناة جديدة تتجاوز قناة السويس، بهدف ربط ميناء إيلات الإسرائيلي الواقع على البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط. وتتطلب هذه المشاريع إفراغ قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين وإعادة توطين المنطقة بمستعمرين يهود.

استياء وغضب متفاقم

إن الغضب الشعبي العربي المتصاعد، والذي لمسته بنفسي خلال زياراتي المتعددة إلى كل من مصر والأردن والضفة الغربية المحتلة، سينفجر بصورة غير مسبوقة في حال حدوث عملية الترحيل الجماعي للفلسطينيين.

وستضطر هذه الأنظمة، حفاظًا على بقائها واستمرارها، إلى التحرك واتخاذ إجراءات حاسمة. وسوف تنتشر الهجمات الإرهابية، سواء من قبل جماعات منظمة أو ذئاب منفردة، ضد أهداف إسرائيلية وغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

إن الإبادة الجماعية للفلسطينيين تشكل حلمًا دعائيًا تسعى الجماعات المتطرفة إلى تحقيقه. ولا شك أن واشنطن وإسرائيل تدركان، بدرجة ما، الثمن الباهظ لهذه الوحشية، ولكنهما تبدوان وكأنهما تتقبلان بها، في محاولة يائسة لمحو أولئك الذين تم إخراجهم من مجتمع الأمم، وأولئك الذين يتم وصفهم بأنهم "حيوانات بشرية".

ما الذي تتوقعه إسرائيل وواشنطن أن يحدث عندما يتم طرد الفلسطينيين من أرض عاشوا فيها لقرون طويلة؟ كيف تعتقدان أن شعبًا يائسًا، محرومًا من الأمل والكرامة وسبل العيش، يتعرض للذبح على يد واحدٍ من أكثر الجيوش تقدمًا في العالم، سيرد على هذه الممارسات؟

هل تعتقدان حقًا أن خلق جحيم دانتي للفلسطينيين سيحد من الإرهاب أو يكبح الهجمات الانتحارية أو يعزز السلام والأمن والاستقرار في المنطقة؟ ألا تدركان حجم الغضب المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط برمته وكيف سيؤدي ذلك إلى زرع بذور الكراهية التي ستستمر لعقود قادمة؟

إن الإبادة الجماعية التي ترتكب في قطاع غزة هي أعظم جريمة في هذا القرن. وسوف تلاحق إسرائيل. وسوف تلاحقنا جميعًا. وسوف تجلب إلى أبوابنا الشرور التي أنزلناها بالفلسطينيين.

"كما تزرع تحصد"

لقد زرعنا بأنفسنا حقل ألغام من الكراهية والعنف والدمار والخراب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة